فصل: السابع: في الإمامة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الخامس‏:‏ في سنن الصلاة

والسنة في اللغة لها ثلاثة معان‏:‏ السيرة، وصورة الوجه، وتمر بالمدينة، والسنن الطريقة ويقال‏:‏ بالفتح في السين والنون وضمهما وضم السين فقط‏.‏ والسنة في الشرع لها خمسة معان‏:‏ ما يلفى شرعه من النبي - عليه السلام - من غير القرآن فيقال هذا ثابت بالكتاب والسنة قولا كانت السنة أو فعلا، وعلى فعله دون قوله، وعلى فعله الذي هو واجب عليه نحو الوتر وقيام الليل، وعلى ما تأكد من المندوبات مطلقا، وعلى ما يقتضي تركه سجود السهو في الصلاة عند بعض المالكية نحو صاحب الجلاب وجماعة معه، والكلام هاهنا على القسمين الأخيرين في الصلاة مجملا ومفصلا، فنقول‏:‏ سنن الصلاة اثنتان وعشرون سنة، السنة الأولى والثانية‏:‏ الجهر فيما يجهر فيه وهو الأوليان من المغرب والعشاء، وجملة الصبح، والوتر، والجمعة، والعيدان، والاستسقاء، والسر فيما يسر فيه وهو ما عدا ذلك‏.‏ قال في الكتاب والجهر‏:‏ أن يسمع نفسه وفوق ذلك قليلا، والمرأة دون الرجل في ذلك، قال صاحب الطراز‏:‏ السر ما لا يسمع بإذن أصلا، والجهر ضده وأقله إسماع من يلي المصلي إذا أنصت إليه‏.‏ والإمام يرفع صوته ما أمكنه؛ ليسمع الجماعة والمنفرد بين ذلك لما في الموطأ‏:‏ خرج - عليه السلام - على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال‏:‏ إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض في القراءة، وفي البيان لا يجوز أن يفرط المسبوق في الجمعة إذا كان بجنبه مثله لئلا يخلط عليه، ولا أن يرفع صوته في النافلة إذا كان بجنبه من يصلي، والمرأة تأتي بأقل مراتب الجهر؛ لأن صوتها عورة‏.‏

فائدة‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ كان - عليه السلام - يجهر في صلاته بالنهار فكان المنافقون يجدون بذلك وسيلة فيصفرون ويكثرون اللغط، فشرع الأسرار حسما لمادتهم‏.‏ السنة الثالثة والرابعة سورة مع أم القرآن والقيام لها في الركعتين الأوليين والمنفردتين، قال في الكتاب‏:‏ إن تركها صحت صلاته وهو مذهب الجمهور؛ لقوله عليه السلام‏:‏ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، قال المازري‏:‏ وأوجب عمر - رضي الله عنه - زيادة على الفاتحة وحده غيره بثلاث آيات، وقيل ما تيسر، وخرج اللخمي قولا بالوجوب، وفيه نظر، وروي عن مالك أنها فضيلة لا توجب سجودا والأفضل الاقتصار على صورة العمل، ويجوز الجمع بين سور؛ لقول ابن مسعود - رضي الله عنه - لقد عرفت النظائر التي كان - عليه السلام - يقرن بينها، وذكر عشرين سورة ويمكن حمله على النوافل، وإذا قرأ سورة قرأ ما بعدها اتباعا لترتيب المصحف، فلو قرأ ما قبلها جاز ولو اقتصر على بعض سورة، قال صاحب الطراز‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يفعل فإن فعل أجزأه وهو المشهور، وروى الواقدي لا بأس بذلك‏.‏ حجة المشهور‏:‏ أنه الغالب من فعله - عليه السلام - وفعل الصحابة - رضوان الله عليهم - بعده وفي أبي داود أنه - عليه السلام - صلى الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنون حتى جاء ذكر موسى وهارون وعيسى عليهم السلام أخذته - عليه السلام - سعلة فركع، وفي الموطأ أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قرأ في ركعتي الصبح بالبقرة، قال في الكتاب‏:‏ ولا يقضي ما نسبه من ركعة في ركعة أخرى، وقال ح‏:‏ يقرأ في الأوليين من الظهر فإذا نسى قرأ في الأخريين‏.‏ لنا أنها لو قضيت لقضيت الأركان بطريق الأولى وليس يباين حجتنا على عدم قراءتها في الركعتين الأخيرتين، خلافا ش ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب، وسورة ويسمعنا الآية أحيانا، وكان يطول في الركعة الأولى من الظهر، ويقصرالثانية وكذلك في الصبح، ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب‏.‏ احتج ش بما في مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال‏:‏ كنا نحزر قيامه الركعتين الأوليين من الظهر قدر ألَم تنزيل‏:‏

السجدة، وحزرنا قيامه في الأخيرتين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخيرتين من الظهر، وفي الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك، وفي الموطأ‏:‏ أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع في كل ركعة بأم القرآن وسورة، وكان يقرأ أحيانا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من الفريضة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن ما ذكرناه أرجح؛ لأنه مبين وما ذكرتموه حزر، وعن الثاني أنه محمول على النافذة بدليل ذكر الفريضة بعده، ولأنه يعارض بعمل المدينة السنة الخامسة التكبير ما عدا تكبيرة الإحرام، قال اللخمي‏:‏ وقيل هو فضيلة، وقال صاحب المقدمات‏:‏ وقيل التكبيرة الواحدة سنة وقد تقدم البحث في معناه في تكبيرة الإحرام في الأركان، وهو عندنا مشروع في كل خفض ورفع، خلافا لعمر بن عبد العزيز وجماعته لما أطبق عليه المسلمون في سائر الأمصار، ولأن أبا هريرة صلى وكبر للرفع والخفض، وقال‏:‏ إني لأشبهكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال المازري‏:‏ وقد رأى بعض المتأخرين أن مقتضى الروايات وجوبه لقوله في تاركه‏:‏ إن لم يسجد وطال بطلت صلاته، وقال بوجوبه ابن حنبل‏.‏ لنا حديث الأعرابي المسيء لصلاته، قال في الكتاب‏:‏ يكبر للركوع والسجود إذا شرع فيه، ولا يكبر بعد التشهد حتى يستوي قائما ووافقه ح، وخالفه ش‏.‏ لنا ما في أبي داود أنه - عليه السلام - كان إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما يكبر عند افتتاح الصلاة، ولأن التكبير شرع في الصلاة متصلا بما ينتقل منه وإليه فلا يخرج من ركن إلا ذاكرا، ولا يدخل في ركن إلا ذاكرا، وكذلك لا يدخل في الصلاة إلا ذاكرا بتكبيرة الإحرام، ولا يخرج منها إلا ذاكرا بالتسليم والجلوس ليس بركن لصحة الصلاة بدونه إجماعا فكان التكبير بعده للقيام فيكون في أوله كقيام أول الصلاة، ولأن الصلاة فرضت مثنى مثنى، ثم زيد في صلاة الحضر كما في الموطأ فقد كان التشهد قبل بغير تكبير فتكون التكبيرة للزيادة في ابتدائها أول القيام‏.‏ السنة السادسة والسابعة‏:‏ الجلسة الوسطى والمقدار الزائد بعد جلوسه الواجب للسلام دليل عدم وجوبها أنه - عليه السلام - لما تركها سجد قبل السلام، قال في الكتاب‏:‏ الجلوس كله سواء يفضي بإليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى وظاهر إبهامها مما يلي الأرض ويثني رجله اليسرى، وقال ح‏:‏ يفرش اليسرى فيقعد عليها وينصب اليمنى ويوجه أصابعه للقبلة، ووافقه ش إلا في الجلسة الأخيرة فقال‏:‏ يخرج رجله من الجانب الأيمن، ويفضي بإليته إلى الأرض، وقول ح في البخاري عنه - عليه السلام - وقول ش في أبي داود عنه - عليه السلام - ويترجح قول مالك بالعمل فقد نقله في الموطأ عن جماعة من الصحابة، وقال ابن عمر‏:‏ هو السنة فرعان‏:‏

الأول‏:‏ سنة الجلوس أن يرفع يديه على فخديه فإن لم يفعل، ففي النوادر عن بعض أصحابنا يعيد الصلاة لما في أبي داود عنه - عليه السلام - أنه قال‏:‏ اليدان تسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفع فليرفعهما، قال صاحب الطراز‏:‏ والأصح عدم الإعادة؛ لأنها تبع‏.‏

الثاني‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ المعروف من المذهب قبض اليمنى إلا المسبحة يبسطها وهو قول الجمهور، وقال في المبسوط‏:‏ لا يبسطها وهو في البخاري عنه - عليه السلام - والأول في الموطأ عنه - عليه السلام - وفي السبابة ثلاثة أقوال فروي عنه أنه كان يحركها من تحت البرنس، وقال ابن القاسم‏:‏ تمد من غير تحريك وكان يحيى بن عمر يحركها عند الشهادة فقط فالسكون إشارة إلى الوحدانية والتحريك في مسلم عنه - عليه السلام - وهو مقمعة للشيطان بمعنى أنه يذكر الصلاة، وأحوالها فلا يوقعه الشيطان في سهو ويكون جنبها الأيسر إلى جنب الخنصر إلى أسفل، وهو قول الشافعي إلا أنه قال‏:‏ أول ما يضع كفه على صدرها، ثم يقلبها بعد ذلك، ثم يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويبسط السبابة والإبهام وهو في أبي داود، وقال أيضا‏:‏ يبسط الوسطى معهما وهو في أبي داود، وقال أيضا‏:‏ يقبض الجميع إلا المسبحة وهو قول مالك الذي رواه عن ابن عمر في صفة صلاته - عليه السلام - وإذا قبض الإبهام جعله تحت الثلاثة، قال مالك‏:‏ وكله واسع‏.‏ السنة الثامنة والتاسعة التشهدان، قال المازري‏:‏ روي عن مالك وش وجوب الأخير، وعن أحمد وجوبهما ووافق المشهور ح لنا قوله - عليه السلام - للأعرابي‏:‏ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، ولم يذكر التشهد‏.‏ وفي الصحاح أنه - عليه السلام - ترك الجلسة الوسطى فسجد قبل السلام، وفي الترمذي أنه سبح به فلم يرجع وهذا شأن السنن ونقيس الأخير على الأول حجة وجوبهما فعله - عليه السلام - وقوله في أبي داود‏:‏ إذا جلس أحدكم فليقل التحيات لله والأمر للوجوب‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه محمول على الندب جمعا بين الأدلة، واختار مالك فيه تشهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ففي الموطأ كان يقول على المنبر للناس‏:‏ قولوا التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وفي بعض روايات الموطأ لم يذكر وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله‏.‏ واختار ش رواية ابن عباس عنه - عليه السلام - وهي التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته‏.‏ وساق التشهد مرجحا له بقول ابن عباس كان - عليه السلام - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، ولأنه - عليه السلام - توفي وابن عباس صغير فيكون آخر الأمر منه - عليه السلام - فيكون أرجح؛ لأن فيه زيادة المباركات والسلام فيه منكرا وهو أكثر سلام القرآن، واختار ح رواية ابن مسعود عنه - عليه السلام - أنه كان يعلمهم التشهد التحيات لله والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي‏.‏ وساق التشهد مرجحا له بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - أخذ النبي - عليه السلام - بيدي فعلمني التشهد، وقال عليه السلام‏:‏ أخذ جبريل - عليه السلام - بيدي فعلمني التشهد وهذا يقتضي العناية، والضبط حتى أن الحنفية اليوم يرونه في معنى أخذ بيدي أخذ في جملة الروايات إلى جبريل - عليه السلام - فإن كلهم فعل ذلك كما فعله - عليه السلام - مع ابن مسعود، ولأنه بزيادة الواو وهي التشهد بالتعدد كما حصل الترجيح في ربنا ولك الحمد بالواو على إسقاطها، وكذلك في قولنا في رد التحية وعليكم السلام أرجح من عليكم السلام، ترجيحنا أن عمر - رضي الله عنه - كان يقوله على المنبر من غير نكير فجرى مجرى التواتر والإجماع؛ لأن فيه زيادة الزاكيات والتسليم بالتعريف أبلغ لإفادة العموم‏.‏

فوائد‏:‏

التحيات جمع تحية، والتحية السلام لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإذا حييتم بتحية‏)‏ والتحية الملك لقوله‏:‏

من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية أي‏:‏ الملك والتحية البقاء، وقيل هو المراد بالبيت والملك هو المشهور، وأصله‏:‏ أن الملك كان يحبى فيقال له‏:‏ أبيت اللعن، ولا يقال لغيره‏:‏ ذلك والزاكيات، قال ابن حبيب‏:‏ صالح الأعمال ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قد أفلح من تزكى‏)‏ والطيبات الأقوال الحسنة كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إليه يصعد الكلم الطيب‏)‏ وقد تقدم معنى الطيب في التيمم، وقال ابن عبدوس‏:‏ الأعمال الصالحة؛ لأنها تطيب العبد كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏الطيبات للطيبين‏)‏ والصلوات إن جعلنا الألف واللام فيها للعهد كانت الصلوات الخمس، والجنس شملت سائر الصلوات الشرعيات هذا إذا اعتبرنا الحقيقة الشرعية وهو الظاهر، وإن اعتبرنا اللغوية وهي‏:‏ الدعاء كانت للعموم في سائر الدعوات واللام في قولنا‏:‏ لله للاختصاص أي هذه الأمور مختصة بالله إلى الإخلاص، فهي عبادات منا للرب سبحانه وتعالى بأن لا يعبد بهذه الأمور إلا الله، كما نعبد في الفاتحة بقولنا‏:‏ ‏(‏إياك نعبد وإياك نستعين‏)‏ أي‏:‏ لا نعبد إلا إياه، ولا نستعين إلا به‏.‏ وقولنا السلام عليك إن جعلنا السلام اسما لله تعالى فيكون معناه‏:‏ الله عليك حفيظ أو راض، وقيل هو مصدر تقدير الكلام سلم الله عليك سلاما، ثم نقلناه من الدعاء إلى الخبر كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام‏:‏ ‏(‏فقالوا سلاما قال سلام‏)‏‏.‏ فسلامه أبلغ من سلامهم لأجل النقل، وكذلك قال في الحمد لله في أول الفاتحة وتقرير جميع ذلك في علم النحو‏.‏ وقيل جمع سلامة فيكون دعاء بالسلامة من الشرور كلها والرحمة، قال الشيخ أبو الحسن الأشعري‏:‏ هي إرادة الإحسان فتكون صفة ذاتية قديمة واجبة الوجود يعضده قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما‏)‏ أي‏:‏ تعلقت إرادتك وعلمك بسائر الموجودات، وقال القاضي أبو بكر‏:‏ هي الإحسان كله يعضده قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ورحمتي وسعت كل شيء‏)‏ أي‏:‏ الجنة؛ لقوله‏:‏ ‏(‏فسأكتبها للذين يتقون‏)‏ فتكون رحمة الله عنده محدثة ليست صفة ذاتية، والرحمة اللغوية هي رقة الطبع تستحيل عليه تعالى فيتعين العدول إلى أحد هذين المجازين اللازمين للحقيقة عادة، وعلى التقريرين فهو دعاء له عليه السلام‏.‏

فرع‏:‏

قال في الكتاب‏:‏ لا يتبسمل أول التشهد وإن كان روى ذلك في الموطأ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وعلى الأول فقهاء الأمصار؛ لأن رواية عمر وابن مسعود وابن عباس - رضوان الله عليهم - ليس فيها بسملة، ولا في خبر ثابت‏.‏ وكان ابن عباس ينكرها، وفي الحديث‏:‏ ليكن أول قولكم التحيات لله‏.‏

السنة العاشرة‏:‏ قول سمع الله لمن حمده في الموطأ أنه - عليه السلام - قال‏:‏ إذا قال الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده فقولوا‏:‏ ربنا لك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏.‏ ومضى العمل في سائر الأمصار قال صاحب المنتقى‏:‏ وروى اللهم ربنا لك الحمد بزيادة اللهم ونقصان الواو، واختاره أشهب، ورواه عن مالك، واختاره ش وبزيادة الواو فقط وبزيادتهما وهو اختيار مالك وابن القاسم، وبنقصانهما وهو اختيار ح ومعنى اللهم النداء، ومعنى الواو تقدير معطوف عليه أي‏:‏ لك الحمد ولك الحمد فيصير الكلام في معنى جملتين، ومعنى سمع الله لمن حمده قال صاحب القبس‏:‏ يحتمل أن يكون خبرا عن فضل الله تعالى أو دعاء بلفظ الخبر وهو الأظهر تقديره اللهم اسمع لمن حمدك وعبر بالسماع عن المكافأة، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا‏)‏ أي‏:‏ قد يجازيهم؛ لأن علم الله تعالى لا يعلق على حرف قد لوجوب تعلقه، ومعنى موافقة الملائكة فيه خمسة أقوال‏:‏ النية والإخلاص كأنه يقول من أخلص في الإجابة، كأنه يقول من استجيب له في الوقت في الكيفية بأن يدعو لنفسه وللمسلمين كما تفعل الملائكة، أو بكونه دعاء في طاعة لا يشاركها شيء من الدنيا، قال صاحب المنتقى‏:‏ ولا يقل الإمام اللهم ربنا ولك الحمد وهو في الكتاب، خلافا ش وعيسى بن دينار وابن نافع لاقتضاء الحديث اختصاص الإمام بلفظ غيره، ويقولها المنفرد خلافا ح؛ لأنهما من سنة الصلاة ولم يوجد خلفه من يقول فيقولهما، وكره مالك للمأموم الزيادة على ربنا ولك الحمد، وإن كان في الموطأ عن رفاعة بن نافع قال‏:‏ كنا نصلي يوما وراء النبي - عليه السلام - فلما رفع رأسه من الركعة، قال‏:‏ سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه‏:‏ ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف النبي - عليه السلام - قال‏:‏ من المتكلم آنفا‏؟‏ قال الرجل‏:‏ أنا يا رسول الله فقال عليه السلام‏:‏ لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا قال‏:‏ لأن العمل على خلافه‏.‏ السنة الحادية عشرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ش‏:‏ واجبه في التشهد الأخير، ووافقه ابن المواز في الوجوب‏.‏ لنا قوله - عليه السلام - في حديث ابن مسعود في التشهد فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك ولم يذكر الصلاة‏.‏ حجة ش قوله تعالى‏:‏ ‏(‏يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‏)‏ والصلاة عليه لا تجب في غير الصلاة فتجنب في الصلاة، وبقوله عليه السلام‏:‏ لا يقبل الله الصلاة إلا بطهور وبالصلاة علي‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الوجوب فيما هو أعم من الحالتين وهو مطلق الزمان فلا تتعين الصلاة، وعن الثاني أنه محمول على الندب جمعا بين الأدلة‏.‏ السنة الثانية عشرة‏:‏ الاعتدال في الفصل بين الأركان على أحد القولين، فهذه اثنتا عشرة سنة في الجواهر‏:‏ وأضاف صاحب المقدمات عشرا إليها الثالثة عشرة إقامتها في المساجد؛ لقوله عليه السلام‏:‏ هل أنبئكم بما يرفع الله به الدرجات ويمحو به السيئات‏؟‏ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد‏.‏ قال صاحب البيان‏:‏ ولا يختلف في خروج المتجالة في الجنائز والعيدين والاستسقاء، ولا تخرج الشابة إلا في جنازة أهلها والمسجد على الندرة‏.‏

السنة الرابعة عشرة‏:‏ الأذان لها سنة في مساجد الجماعات والأئمة حيث كانوا وفرض في جملة المصر‏.‏ السنة الخامسة عشرة‏:‏ الإقامة وقد تقدمت‏.‏ السنة السادسة عشرة‏:‏ رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، وفي الجواهر والتلقين هي فضيلة، قال في الكتاب‏:‏ لا أعرفه إلا في تكبيرة الإحرام وهو قول ح، قال صاحب الطراز‏:‏ وروى ابن القاسم تركه مطلقا، وروى عنه فعله في الإحرام والرفع من الركوع وفي سماع ابن وهب الإحرام والركوع والرفع منه، وهو قول ش وابن حنبل، وقال ابن وهب‏:‏ يفعله مع ذلك إذا قام من اثنتين فهذه خمسة أقوال، وجه الأول‏:‏ ما في أبي داود عن عبد الله بن مسعود أنه قال‏:‏ ألا أصلي لكم صلاته - عليه السلام - ولم يرفع يديه إلا مرة واحدة‏.‏ وكل من قال بالرفع مرة واحدة جعلها في الإحرام، ولأن التكبير شرع في الصلاة مقرونا بحركات الأركان دخولا وخروجا، ولما لم يكن مع تكبيرة الإحرام ركن شرع معها حركة اليدين، ولأن الرفع يشغل النفس عن الخشوع فهو خلاف الأصل فيقتصر على الأول، وجه الثاني أن الرفع منسوخ بما يروى عن جابر بن سمرة، قال‏:‏ كنا نرفع أيدينا في الصلاة فمر بنا - عليه السلام - فقال‏:‏ ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة‏.‏ وجه الثالث أن حالة الرفع ابتداء حالة قيام فأشبه الأول‏.‏ وجه الرابع ما في الصحيح عن ابن عمر أنه رواه عنه عليه السلام‏:‏ إذا قام في الصلاة يرفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه‏.‏ وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه منه ويقول سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود‏.‏ وجه الخامس ما في البخاري أن ابن عمر كان يفعله ورفعه أبو داود، وطريق الجمع بين هذه الأحاديث‏:‏ أن يكون الأول الأصل وبقية الأحاديث تدل على الجواز وكذلك أشار إليه مالك في النوادر، ويحقق ذلك عمل أهل المدينة، قال صاحب الطراز‏:‏ وأما حد الرفع فثلاثة أقوال‏:‏ إلى المنكبين وهو المشهور وقول ش وابن حنبل، وإلى الأذنين وهو قول ح، وإلى الصدر عند سحنون، وجه الأول‏:‏ حديث ابن عمر السابق، والثاني في مسلم عنه عليه السلام، والثالث في أبي داود عنه - عليه السلام - وأما صفة الرفع فالذي عليه العراقيون والباجي ش أن تكون اليدان قائمتين يحاذى كفاه منكبيه وأصابعه أذنيه وهي صفة الراغب، فإن الراغب للشيء يبسط له يديه، وعند سحنون ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض وهي صفة الراهب فإن الخائف من الشيء ينقبض عنه، وقد فسر بهما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويدعوننا رغبا ورهبا‏)‏‏.‏ وقيل رجاء الخير وخوفا من الشر، وفي الترمذي أنه - عليه السلام - كان إذا كبر نشر أصابعه مدا‏.‏ وجه الثاني‏:‏ الحديث الوارد في الرفع إلى الصدر فإن ذلك لا يتصور غالبا إلا كذلك، قال‏:‏ وأما إرسالهما فلم أر لأصحابنا فيه شيئا، وقال ش‏:‏ يثنيهما مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير، قال‏:‏ والظاهر إرسالهما حالة التكبير؛ ليكون مقارنا للحركة كالخفض والرفع مقارنا للحركة، ويرسلهما بوقار، ولا يدفع بهما إلى قدام، ولا يقبضهما عند الإرسال، ولا يخبط بهما لمنافاة ذلك للوقار، ويستحب كشفهما عند الإحرام، وفي أبي داود كان - عليه السلام - إذا كبر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه‏.‏ السنة السابعة عشرة‏:‏ الانصات للإمام فيما يجهر فيه؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏)‏‏.‏ السنة الثامنة عشرة‏:‏ رد السلام على الإمام، وقد تقدم في الأركان‏.‏ السنة التاسعة عشرة تأمين المأموم عند قول الإمام‏:‏ ‏(‏ولا الضالين‏)‏ وهي في الجواهر والتلقين فضيلة، وفيه ثلاث لغات‏:‏ القصر والمد، والقصر مع تشديد الميم، وقيل هو عبراني عربته العرب وبنته على الفتح، وقيل عربته اسما لله تعالى ونونه مضمومة على النداء تقديره يا آمين استجب لنا دعاءنا، وقيل عربي مبني على الفتح اسم لطلب الإجابة كسائر أسماء الأفعال واشتقاقه من الأمان بمعنى استجابة دعائنا‏.‏ والمد هو المشهور في السنة واللغة، شاهد القصر‏:‏

تباعد مني فطحلا إذ سألته أمين فزاد الله في بيننا بعدا شاهد المد‏:‏

ويرحم الله عبدا قال آمينا

والأول محمول على القصر للضرورة، قال في الكتاب‏:‏ لا يقل آمين، وليقل من خلفه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ يريد في الجهر، وكذلك قال ابن القاسم في النوادرز ولا يقوله الإمام إلا في السر، وقال مالك في الواضحة‏:‏ يقوله مطلقا وهو قول ش ح وابن حنبل، وفي التبصرة لابن بكير هو مخير، فهذه ثلاثة أقوال وجه الأول ما في الموطأ قال عليه السلام‏:‏ إذا قال الإمام‏:‏ ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ فقولوا آمين فإنه من وافق تأمينه الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏.‏ وفي الموافقة ما تقدم في سمع الله لمن حمده، ولأن الإمام داع فيكون المأموم هو المؤمن على سنة الدعاء‏.‏ وجه الثاني ما في الصحاح‏:‏ إذا أمن الإمام؛ فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏.‏

وفي أبي داود عنه - عليه السلام - يقول‏:‏ آمين حتى يسمع من في الصف الأل، ولأنه تابع للقراءة والإمام قارئ‏.‏ وجه الثالث تعارض الأدلة‏.‏ تفريع قال صاحب الطراز‏:‏ ولا خلاف أن الفذ يؤمن قال‏:‏ وإذا قلنا يؤمن المأمون قال مالك‏:‏ فمن لا يسمع الإمام لا يؤمن؛ لأنه إجابة، والإجابة فرع السماع‏.‏ وفي البيان قال مالك‏:‏ ليس على من لم يسمع أن يؤمن وظاهره له ذلك، قال‏:‏ ويتحرى الوقت كما يتحرى المريض لرمي الجملد فيكبر، وذهب محمد بن عبدوس إلى أن ذلك عليه، وذهب يحيى بن عمر إلى أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك، قال‏:‏ وهو أظهر؛ لأن المصلي ممنوع من الكلام والتأمين كلام أقيم في موضعه، وعند التحري قد يخطئ، قال‏:‏ فهذه ثلاثة أقوال‏.‏ وإذا قلنا يؤمن الإمام، قال‏:‏ الباجي لا يجهر به قال‏:‏ وهو الأرجح؛ لأنه دعاء والأصل في الدعاء الخفية، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ادعوا ربكم تضرعا وخفية‏)‏ ‏(‏واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية‏)‏‏.‏ وقال ش وابن حنبل‏:‏ يجهر ليقتدى به لظاهر الخبر، ونحن نحمله على بيان الجواز، لا لمشروعية ذلك على وجه التقدير‏.‏ السنة العشرون‏:‏ قول المأموم ربنا ولك الحمد وهي في الجواهر والتلقين فضيلة، وقد تقدم الكلام عليها‏.‏ السنة الحادية والعشرون‏:‏ للمرأة وقد تقدم ذكره في شروط الصلاة النافلة‏.‏ السنة الثانية والعشرون‏:‏ التسبيح في الركوع والسجود وهي في الجواهر والتلقين فضيلة، وقال في الكتاب‏:‏ ليس بواجب ولا موقت وأنكر التحديد، وهو قول ش وح، وأوجبه ابن حنبل في الركوع والسجود كما أوجب التكبير في الركوع والسجود ورب اغفر لي بين السجدتين لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فسبح باسم ربك العظيم‏)‏ والأمر للوجوب، وفي أبي داود لما نزلت قال عليه السلام‏:‏ اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت‏:‏ ‏(‏سبح اسم ربك الأعلى‏)‏ قال عليه السلام‏:‏ اجعلوها في سجودكم‏.‏ لنا حديث الأعرابي المسئ لصلاته علمه - عليه السلام - الواجبات فلو كان التسبيح واجبا لذكره، وأما إنكاره مالك للتحديد فقد حدده ابن حنبل‏:‏ سبحان ربي العظيم ثلاثا، وسبحان ربي الأعلى ثلاثا، واستحب ش ذلك ثلاثا، وقال سفيان الثوري‏:‏ يقول الإمام خمسا حتى يلحق المأموم ثلاثا، لما في أبي داود قال عليه السلام‏:‏ إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات‏:‏ سبحان ربي العظيم وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل‏:‏ سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات وذلك أدناه‏.‏ وهو معارض لما في الصحيحين أنه - عليه السلام - كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي‏.‏ ووردت أذكار مختلفة غير هذا وذلك يمنع التحديد والوجوب، قال صاحب المقدمات بعد عده ثماني عشرة سنة‏:‏ وأسقط بعض ما عده غيره فمن هذه ثمان سنن مؤكدات يسجد لسهوهن، وتعاد الصلاة لتركهن عمدا أبدا على الخلاف في ترك السنن عمدا وهي‏:‏ السورة، والجهر، والإسرار، والتكبير، وسمع الله لمن حمده، والتشهد الأول والجلوس له، والتشهد الأخير وما عدا هذه الثمانية فلا فرق بينها وبين الفضائل إلا في تأكيد الطلب الشرعي، إلا القناع للمرأة فإن الصلاة تعاد لتركه في الوقت‏.‏

السادس‏:‏ في فضائل الصلاة

قال صاحب المقدمات‏:‏ وهي سبع عشرة‏:‏ جعل الرداء على المنكب والتيامن في السلام، وقراءة المأموم مع الإمام في السر، وإطالة القراءة في صلاة الصبح والظهر، وفي الجلاب‏:‏ إذا ابتدأ قصيرة قطعها وشرع في طويلة، وفي الموطأ أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قرأ البقرة في صلاة الصبح، وأن عمر - رضي الله عنه - قرأ يوسف والحج في ركعتي الصبح، وأن القرافصة بن عمير قال‏:‏ ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها، ذكر هذا مالك ليدل أن العمل يقتضي ذلك، مع أن في مسلم أنه - عليه السلام - قرأ ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ في ركعتي الصبح، وفي رواية بالمعوذتين، وفي الجواهر يقرأ في الصبح بطوال المفصل وما زاد عليها بقدر ما يحمله التغليس ولا يبلغ بها الإسفار، والظهر دونها، ويخفف في المغرب، والعصر تليها، والعشاء بين المنزلتين، وقال ش ح وأشهب‏:‏ يسوي الظهر بالصبح والمدرك في ذلك العمل ومن جهة المعنى أن الصبح ركعتان فقط وتدرك الناس أكثرهم نيام فيمد فيها حتى يدركها المسبوق، ففي الحديث‏:‏ من شهد صلاة الصبح فكأنما قام ليلة بالتطويل‏.‏ يحصل للمسبوق هذه الفضيلة، والظهر يدرك الناس مستيقظين وعددها أربع فهذا يقتضي عدم الإطالة وكونه في وقت فراغ من الأعمال للتخلي للقائلة والأغذية يقتضي التطويل فكانت دون الصبح، وأما العصر فتأتي في وقت شغل، والمغرب وقتها ضيق بخلاف غيرها، قال صاحب الطراز‏:‏ وهما يستويان في القراءة عند مالك مع أنه قد ورد في الصحيحين أنه - عليه السلام - كان يقرأ بالطور في المغرب، ثم ما صلى بعدها حتى قبضه الله، وفي أبي داود بالأعراف، وروى ابن وهب عن عمرو بن العاص قال‏:‏ ما من القرآن شيء إلا وقد سمعته - عليه السلام - يؤم الناس به فكان - عليه السلام - يخالف عادته؛ ليعلم الناس ذلك، وقد أنكر العلماء ومالك على من يقتصر على بعض القرآن ولو كان أفضل من غيره فإن الله تعالى أنزل القرآن؛ ليخاف من وعيده ويرجى وعده، ويتأدب بقصصه فينبغي أن يتلى جميعه، قال صاحب البيان‏:‏ كره مالك تكرار قراءة‏:‏ قل هو الله أحد في ركعة واحدة للذي يحفظ القرآن؛ لئلا يعتقد أن أجر قرائتها ثلاث مرات مثل أجر جملة القرآن متأولا لقوله عليه السلام‏:‏ إنها تعدل ثلث القرآن‏.‏ فقال إذ ليس ذلك معنى الحديث عند العلماء، بل له معان كثيرة عندهم، أحسنها أن أجرها مضاعف يعدل أجر ثلث القرآن غير مضاعف‏.‏

فائدة‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ المفصل كله مكي، وأوله قيل الحجرات، وقيل ق وهو الصحيح؛ لأن الحجرات مدنية، وقيل الرحمن‏.‏ قال‏:‏ وكره مالك إظهار الهمزة في قراءة الصلاة، واستحب التسهيل على رواية ورش؛ لأنه لغته - عليه السلام - قال‏:‏ وكذلك الترقيق والتفخيم والروم والإشمام، وغير ذلك من معاني القراءة، قال‏:‏ وتقصير الجلسة الأولى، والتأمين بعد الفاتحة للفذ والإمام فيما يسر فيه وقول الفذ ربنا ولك الحمد، وصفة الجلوس، والإشارة فيه بالأصبع، وقيام الإمام من موضعه ساعة يسلم والسترة وينبغي أن يحمل قوله على موضع الأمن من المرور بوجوبها في غيره، قال‏:‏ واعتدال الصفوف، وترك البسملة، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى حالة القيام، وقد كرهه في المدونة، قال‏:‏ كراهة أن يعد من الواجبات، وقال في الكتاب‏:‏ أكرهه في الفريضة بخلاف طول القيام في النوافل‏.‏ وفي الجواهر قال أبو محمد وأبو الوليد‏:‏ رواية ابن القاسم محمولة على الاعتماد، قال صاحب الطراز‏:‏ فيه ثلاث روايات‏:‏ الكراهة في الفرض رواية ابن القاسم، والإباحة في الفرض والنفل رواية أشهب، والاستحباب فيهما رواية مطرف وهو مذهب ش ح وابن حنبل وهو في الصحاح عنه عليه السلام‏.‏ وفي الموطأ عنه - عليه السلام - أنه قال‏:‏ من كلام النبوة إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة‏.‏ قال‏:‏ واختلف القائلون به فقال الباجي‏:‏ يقبض يمناه على المعصم والكوع من اليسرى ولا يعتمد عليها، وقال الحنفية‏:‏ يقبض على أصابع اليسرى، وقال بعض الشافعية‏:‏ لا يقبض على شيء بل يضع كفه اليسرى مبسوطة وكفه اليمنى عليها وهو مروي عنه - عليه السلام - وقال بعضهم‏:‏ يقبض بكفه اليمنى كفه اليسرى، وقال بعضهم‏:‏ يضع كفه على كفه ويقبض بالخنصر والبنصر والإبهام على رسغه ويمد الوسطى والسبابة على ذراعه اليسرى واختلف في موضعهما، قال ابن حبيب‏:‏ غير محدود، وقال عبد الوهاب‏:‏ تحت الصدر وفوق السرة وهو ظاهر حديث الموطأ، وقال الحنفية‏:‏ يضعهما تحت السرة وهو في أبي داود عنه - عليه السلام - وروي عن ش فوق النحر؛ لما روي عن علي - رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فصل لربك وانحر‏)‏ أنه ذلك، قال‏:‏ والصلاة على الأرض أو ما تنبته، والصلاة في جماعة للرجل في نفسه وهي سنة في المساجد وفريضة في الجملة، وأما النساء فقال صاحب البيان‏:‏ أما المتجالات فلا خلاف في خروجهن للمساجد والأعياد وغيرها، وأما الشابة فلا تخرج إلا في الندرة، وفي جنائز أهلها وعلى الإمام منعهن، وفي الحديث عنه عليه السلام‏:‏ ما تركت بعدي قتنة أضر على الرجال من النساء‏.‏ وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ لو أدرك - عليه السلام - ما أحدثه النساء؛ لمنعهن المساجد كما منع نساء بني إسرائيل‏.‏ قال‏:‏ والنساء أربع‏:‏ فانية فهي كالرجل، ومتجالة فلا تكثر التردد، وشابة تخرج على الندرة، وفائقة لا خمار لها لا تخرج البتة‏.‏

والقنوت وأصله في اللغة الطاعة ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏والقانتين والقانتات‏)‏‏.‏ ويطلق على طول القيام في الصلاة، وفي الحديث‏:‏ أفضل الصلاة طول القنوت‏.‏ وعلى الصمت، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وقوموا لله قانتين‏)‏‏.‏ وعلى الدعاء، ومنه قنوت الصبح وهو عندنا وعند ش ح مشروع، خلافا لابن حنبل، وفي الصبح عندنا وعند ش، خلافا ح في تخصيصه إياه بالوتر، وفي الجلاب لمالك في القنوت في النصف الأخير من رمضان روايتان‏.‏ لنا ما سنذكره من الأحاديث أجاب ابن حنبل فحملها على نوازل كانت تنزل بالمسلمين والحكم ينتفي؛ لانتفاء سببه‏.‏

جوابه‏:‏ منع التعليل بخصوص تلك الوقائع، بل لمطلق الحاجة لدرء الشرور وجلب الخيور وهو أولى لعمومه فيجب المصير إليه، وهذه العلة باقية فيدوم الحكم، قال في الكتاب‏:‏ إذا قنت قبل الركوع لا يكبر خلافا لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال‏:‏ وقبل الركوع وبعده واسع والذي آخذ به في نفسي قبل، خلافا ش وكان علي - رضي الله عنه - يقنت قبل، وعمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يقنتان بعد، وفي الصحيحين‏:‏ سئل - عليه السلام - أهو قبل أم بعد‏؟‏ فقال‏:‏ محل القنوت قبل‏.‏ زاد البخاري قيل لأنس‏:‏ إن فلانا يحدث عنك أن النبي - عليه السلام - قنت بعد الركوع قال‏:‏ كذب فلان‏.‏ وفي رواية أنه قنت بعد الركوع شهرا ووافق ش في الوتر أن قنوته قبل، ولأنه قبل يحصل للمسبوق فضيلة الجماعة، وقال في الكتاب‏:‏ لا توقيت فيه ولا يجهر أما عدم التحديد؛ فلأنه ورد بألفاظ مختلفة، وأما عدم الجهر فقياسا على سائر الأدعية، وروى ابن وهب أن جبريل علم النبي - عليهما السلام - اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق‏.‏ وإن هذا بعد ما كان يدعو على مضر إذ جاءه جبريل - عليه السلام - فأومأ إليه صلى الله عليه وسلم أن اسكت فسكت فقال‏:‏ إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا، إنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابا‏:‏ ‏(‏ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون‏)‏‏.‏ ثم علمه القنوت، وفي أبي داود أنه - عليه السلام - علم الحسن بن علي في القنوت اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك، وأنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت‏.‏ ويروى أنه - عليه السلام - كان يقنت في الوتر اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏.‏

فوائد‏:‏

نخنع معناه‏:‏ نتواضع، ومنه قوله عليه السلام‏:‏ إن اخنع الأسماء عند الله رجل يسمى بشاه‏.‏ ونخلع معناه من ذنوبنا، ونحفد معناه نعاضد على طاعتك، ومنه حفدة الأمير أي‏:‏ أعوانه وأبناء الأبناء يسمون حفدة لذلك، وقوله قنى شر ما قضيت، مع أن القضاء لا يمكن أن يقع غيره، معناه أن الله تعالى يقدر المكروه بشرط عدم دعاء العبد المستجاب فإذا استجاب دعاءه لم يقع المفضي لفوات شرطه وليس هو رد للقضاء المبرم‏.‏ ومن هذا الباب صلة الرحم تزيد في العمر والرزق‏.‏ وقوله أعوذ برضاك يتعين أن يكون المستعاذ به قديما؛ لامتناع الاستجارة بالحوادث، ورضى الله تعالى‏:‏ إما إرادة الإحسان على ما تقدم في الرحمة على رأي الأشعري، أو الإحسان نفسه على رأي القاضي، والأول متعين لقدمه، وكذلك قوله بمعافاتك من عقوبتك‏.‏ وقوله أعوذ بك منك كيف تصح الاستعاذة من القديم مع أنه لا يصح إلا من حادث‏.‏

وجوابه‏:‏ أن قوله منك على حذف مضاف تقديره من مكروهاتك ليعم ما ذكره أولا وما لم يعلمه‏.‏ وقوله أنت كما أثنيت على نفسك مشكل من جهة العربية والمعنى من جهة تشبيه الذات بالثناء‏.‏

وجوابه‏:‏ أن ثم مضافا محذوفا في الأول تقديره‏:‏ ثناؤك اللائق ثناؤك على نفسك‏.‏

فرع‏:‏

قد ألحق في الكتاب الدعاء بالقنوت، وكرهه في الركوع، بخلاف السجود والقيام والجلوس بحوائج الدنيا والآخرة، وأجاز الذكر في الركوع والسجود‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ أجاز مالك وش الدعاء بجميع الحوائج، وقال ح‏:‏ لا يدعي إلا بما في القرآن أو ما في معناه مما لا يسئل به الناس‏.‏ فإن قال‏:‏ أطعمني أو زوجني فسدت صلاته؛ لأنه من جنس الكلام كرد السلام، وتشميت العاطس والشعر المنظوم دعاء أو ثناء، فإن ذلك كله يفسد الصلاة‏.‏ لنا ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - علمهم التشهد إلى قوله أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال‏:‏ ثم ليختر من المسائل ما شاء وهذا عام‏.‏

والجواب عما ذكروه‏:‏ أن تلك الأمور يعد الإنسان بها في العرف غير مصل؛ لمباينتها لنظام الصلاة بخلاف الدعاء، ولأنه من فعل السلف قال عروة‏:‏ إني لأدعو الله في حوائجي كلها حتى في الملح، قال صاحب الطراز‏:‏ قال مالك‏:‏ إلا أنه يستحب التأدب، فلا يقل‏:‏ اللهم ارزقني وهو كثير الدراهم، وليدع بدعاء الصالحين، وبما في القرآن قيل له فيدع، وقال صاحب الطراز‏:‏ ولا يدعو في القيام قبل القراءة، ولا في أثناء الفاتحة في المكتوبة بخلاف النافلة؛ فإنها مشتملة على الدعاء فهي أولى ويدعو بعد فراغها إن أحب، وقد دعا الصديق - رضي الله عنه - بعدها بقوله‏:‏ ‏(‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏)‏ الآية ويدعو بعد الرفع من الركوع بين السجدتين إن أحب، وأوجب ابن حنبل الدعاء بين السجدتين بقوله رب اغفر لي ذنبي‏.‏ ويدعو بعد التشهد ويكره قبله، وأما غير الدعاء من الثناء والذكر الحسن فالقرآن أولى منه تلاوة وسماعا، وقد كره مالك للمأموم سبحان الله بكرة وأصيلا، فإن فعل فلا إعادة عليه، وأجاز في الكتاب الدعاء على الظالم، لما في مسلم أنه - عليه السلام - قال حين رفع من الركوع‏:‏ غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان، والعن رعلا وذكوان، ثم سجد‏.‏ وفي النوادر إن قال‏:‏ يا فلان اللهم افعل به كذا، قال ابن شعبان‏:‏ بطلت صلاته بل يقول افعل بفلان، وقال ابن أبي زيد‏:‏ وما علمت أحدا من أصحابنا قاله غيره‏.‏ وقد بقي من المندوبات‏:‏ آداب القلوب فمنها‏:‏ الخشوع وهو اتصاف القلب بالذلة والاستكانة والرهب بين يدي الرب، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون‏)‏‏.‏ والخشوع أفضل أوصاف الصلاة، ولذلك أمرنا بالمشي إليها بالسكينة والوقار، مع تفويت الاقتداء والمبادرة إلى الطاعة، وحضور الأشغال المانعة منه، وما تؤخر جملة الصلاة له إلا وهو من أفضل صفاتها، ومنها الفكرة في معاني الأذكار والقراءة فإن كانت دالة على توكل توكل عليه، أو على الحياء استحيا منه، أو على التعظيم عظمه، أو المحبة أحبه، أو الإجابة أجابه أو زجر عزم على ترك المخالفة ولا يشتغل عن الفكرة في آية بالفكر في آية أخرى، وإن كانت أفضل لما فيه من سوء أدب المناجاة، والإعراض عن الرب بالقلب الذي هو أفضل أجزاء الإنسان، ولذلك هو أقبح من الإعراض عنه بالجسد، ولذلك قال معاذ بن جبل‏:‏ إن الشيطان ليشغلني عن القراءة بذكر الجنة والنار‏.‏ فجعله من الشيطان، وإن كان قربة عظيمة فهذه هي الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر وتكون اللام فيها للكمال كما هي في صفات الله تعالى كما قال سيبويه، وهي مناسبة لذلك؛ فإن القلب إذا اتصف بهذه الصفات في الصلاة كان إذا تخلل منها قريب العهد بذكر الزواجر عن القبائح فلا يلابسها، والمرغوبات في المدائح فلا يفارقها‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ وقد ورد الترغيب في الذكر بعد السلام لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب‏)‏‏.‏ قيل انصب في الدعاء، وارغب إليه في الحاجات، وفي الصحيحين قال عليه السلام‏:‏ من سبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حطت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر‏.‏

السابع‏:‏ في الإمامة

والإمامة في اللغة‏:‏ الاقتداء والإمام المقتدى به، والإمام‏:‏ خشبة البناء التي يتبعها في استقامة أعماله، وقيل أصل إمام الاقتداء منها تشبيها بها، والمأموم المقتدي، والمأموم من شج في رأسه فوصلت إلى أم دماغه‏.‏

وفي الباب تسعة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في شروط الإمامة‏:‏

وهي سبعة الشرط الأول‏:‏ الإسلام؛ لقوله عليه السلام‏:‏ أئمتكم شفعاؤكم فاختاروا بمن تستشفعون‏.‏ وهذا يدل ثلاثة أوجه‏:‏ الأول وصفه بالشفاعة والشفيع لا بد أن يكون مقبولا عند المشفوع عنده والكافر ليس كذلك‏.‏ الثان‏:‏ي حصره الأئمة في الشفعاء لوجوب حصر المبتدأ في الخبر، فمن ليس بشفيع لا يكون إماما‏.‏ الثالث أنه أوجب اختياره والكافر ليس بمختار‏.‏

فرع‏:‏

فلو صلى بالمسلمين ولم يعلموا به، قال مالك في العتبية‏:‏ يعيدون أبدا خلافا لبعض الشفعوية، قال صاحب الطراز‏:‏ ولا يحكم بإسلامه عند مالك وش، وقال ح‏:‏ إن كان في مسجد حكم بإسلامه؛ لأن ذلك من شعائر الإسلام وإلا فلا، وقال مطرف وابن الماجشون‏:‏ إن تاب وإلا قتل كالمرتد، وقال سحنون‏:‏ إن عمله خوفا على نفسه وماله فلا شيء عليه، وإلا عرض عليه الإسلام فإن أسلم فلا إعادة على المأمومين، وإلا قتل وأعادوا، قال صاحب الطراز‏:‏ ويلزم إذا حكمنا بإسلامه بمجرد الصلاة أن لا يعيد القوم؛ لأنها وقعت خلف مسلم، لكن إسلامه غير محقق وجه إسلامه قوله عليه السلام‏:‏ من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فله ما لنا، وعليه ما علينا‏.‏ ولأن الشعائر دليل الإيمان الباطن كالشهادتين، وجه عدم إسلامه‏:‏ أن إمامته إنما تدل على اعتقاده حسن فعل هذه الصلاة في جماعة وهو لو صرح بذلك قبل وجوبه لم يكن مسلما‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ العدالة، قال صاحب الطراز‏:‏ لا يشترط ظهورها بل تكفي السترة عند جماعة الفقهاء، غير أن المعروف خير من المجهول، قال مالك‏:‏ لا يصلي خلف المجهول إلا أن يكون إماما راتبا، وأما الفاسق بجوارحه فظاهر المذهب منعه، خلافا ش وابن حنبل‏.‏ لنا ما تقدم في الكافر، ولأنه أسوأ حالا من المرأة بقبول شهادتها دونه؛ احتجوا بما في أبي داود قال عليه السلام‏:‏ صلوا خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر، ولأن كل مصل يصلي لنفسه‏.‏

وجواب الأول‏:‏ أنه محمول على الصلاة عليه إذا مات، يعضده أن الأمر للوجوب، ولا تجب الصلاة خلف الفاسق إجماعا، وتجب عليه ميتا، وعن الثاني أنه منقوض بالكافر والمرأة وإن لم يعلم بهما المأموم‏.‏ وقد سلم هذا ش وبإجماع الأمة على صحة صلاة من أدرك الإمام راكعا لو كان منفردا لم تصح، وبجلوس من أدرك الثانية وبسجوده لسهو الإمام، ولو فعل ذلك المنفرد بطلت صلاته، ومنها يدل على أن الصلاتين واحدة، وأن صلاة الإمام صلاة المأموم وليست صلاة المأموم صلاة الإمام، قال‏:‏ وأوجب مالك الإعادة أبدا على من ائتم بمن يشرب الخمر وإن لم يسكر، ولهذا فرق الأبهري بين الفاسق بإجماع، وبين الفاسق بالتأويل فإنه معتقد التقرب فهو أخف من القادم على ما يعتقده معصية، قال أبو طاهر في إمامة الفاسق بجوارحه قولان، والبطلان مبني على أنه يتوقع منه ترك فروض الصلاة، فينبغي أن يعتبر حاله‏:‏ فإن كان فسقه لا يحمله على ذلك ائتم به، وإلا فلا، وفي الجواهر قال ابن حبيب‏:‏ من صلى خلف شارب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون الوالي الذي إليه الطاعة، إلا أن يكون حينئذ سكرانا قاله من لقيه من أصحاب مالك، وقيل تستحب الإعادة في الوقت‏.‏

فرع‏:‏

قال في الكتاب‏:‏ من صلى خلف السكران أعاد، قال صاحب الطراز‏:‏ إن ذهب عقله انتقضت طهارته فهو كالمجنون، وإن لم يغب عقله فيعيد أبدا أيضا، قال‏:‏ ومن الأصحاب من علله بأنه متحمل للنجاسة في جوفه من غير ضرورة، قال‏:‏ ويلزمه ألا تصح صلاته في نفسه، قال‏:‏ وله أن يقول لما تعذر عليه دفع النجاسة صار كمن تضمخ، ثم عدم الماء وكمن أراق الماء، ثم صلى بالتيمم فإنهما آثمان مع صحة صلاتهما، قال‏:‏ وعلى هذا النظر يجب عليه أن يتقيأ وهو قول أكثر الشافعية، وقال بعضهم‏:‏ لا يتقيأ؛ لأن معدته تبقى نجسة، قال‏:‏ ومن أصحابنا من فرق بين الجمعة وغيرها لأجل الخروج على السلطان، وهو مفسدة عظيمة، ومنهم من سوى، قال‏:‏ وأما الخوارج فمنع مالك إمامتهم؛ لأنهم أشد الفساق، واختلف في كفرهم لاعتقادهم إباحة ما خالف فيه جماعة السنة وأن ما عليه جماعة السنة ليس من الدين، قال‏:‏ وأما أهل البدع والأهواء فلا فرق بينهم على اختلاف طبقاتهم، ولو جوزنا إمامة الفاسق لمنعناها خلفهم لما فيه من تكثير البدع بشهرة الإمامة وتوقف في الكتاب في إعادة الصلاة خلف المبتدع، قال ابن القاسم‏:‏ وأراها في الوقت، وقال سحنون‏:‏ لا إعادة مطلقا وهذا يقتضي عدم تكفيرهم عند الثلاثة، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يعيد مطلقا، وفي الجواهر‏:‏ من صلى خلف قدري الجمعة أعاد أربعا، واشترط ابن حبيب في الإعادة أن لا يكون واليا، وفي البيان تؤول ما في الكتاب لمالك على عكس تفرقة ابن حبيب لقوله‏:‏ وأرى إن كنت تتقيه وتخافه على نفسك أن تصلي معه وتعيد ظهرا أربعا، قال‏:‏ والخلاف في البدع والأهواء المحتملة قوله الكفر، أما الكفر الصريح فلا يصح الاختلاف في الإعادة، والخفيف الذي لا يؤول إلى الكفر فلا يصح الاختلاف في أن الإعادة غير واجبة، قال‏:‏ وإن كانت الروايات وردت مجملة‏.‏

فرع‏:‏

قال في الكتاب‏:‏ إذا قطع صلاته متعمدا، أو صلى بالحدث عمدا فسدت على من خلفه، قال صاحب الطراز‏:‏ وقال أشهب‏:‏ لا تفسد عليهم إلا أن يستمر بهم وأشار إليه ابن القاسم، وقال أشهب أيضا‏:‏ إذا أمهم محدثا أجزأتهم وهو قول ش، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ لا يبني أحد إذا فسدت صلاة إمامه إلا في الحدث، قال صاحب الطراز‏:‏ وينبغي أن يفصل فإن قطع لشبهة مثل أن تكون عادته أن يذكر الله تعالى قبل الإحرام فنسي حتى أحرم وأحرموا فقطع لذلك أو توقفت عليه القراءة فقطع لذلك، فالأظهر هاهنا الصحة ويتمون؛ لأنفسهم بخلاف المتمرد في القطع‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ الذكورة، قال في الكتاب‏:‏ لا تؤم المرأة، قال صاحب الطراز‏:‏ المشهور حمله على العموم في الفرض والنفل للرجال والنساء وهو قول، وعن مالك الإعادة أبدأ، وروى عنه تؤم النساء وهو قول ش‏.‏ لنا أنها أسوأ حالا من الصبي للأمر بتأخيرها في الصفوف بخلافه، ومن العبد بصحة صلاته في الجمعة بخلافها، ويروى أخروهن حيث أخرهن الله، فلا يجوز تقديمها للإمامة‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الطراز‏:‏ الخنثى إن حكم لها بالذكورية صحت الصلاة، أو بالأنوثة أعاد أبدا، قال أبو الطاهر‏:‏ والمشكل لا تصح إمامته بالرجال، ولا بالنساء على المشهور، وفي الجواهر لا يلحق العنين بالخصي؛ لبعده من الأنوثة‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ البلوغ في الكتاب لا يؤم الصبي في النافلة الرجال ولا النساء، وهو قول ح في الفرض والنفل، قال صاحب الطراز‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ يعيد المأموم أبدا، وروى ابن القاسم يؤم في النافلة، وأجاز ش إمامته في المكتوبة إلا في الجمعة وهو مذهب أبي مصعب منا، وفي الجواهر المميز لا تجوز إمامته في المكتوبة ولا تصح، وقال أبو مصعب‏:‏ تصح وإن لم تجز، وفي النافلة تصح وإن لم تجز، وقيل تصح وتجوز وأما غير المميز فلا تصح ولا تجوز، والخلاف يرجع إلى إمامة المتنفل بالمفترض فنحن نمنعه، وش يجيزه‏.‏ لنا ما في أبي داود قال عليه السلام‏:‏ الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن‏.‏ فحصر الإمام في وصف الضمان فلا يوجد في غيره وضمانه لا يتصور في الذمة؛ لأنه لا يبرأ أحد بصلاة غيره، بل معناه أن صلاة الإمام تتضمن صلاة المأموم، ولن يتأتى ذلك حتى يشتمل على أوصاف صلاة المأموم، لكن من جملة أوصافها الوجوب، وهو متعذر في صلاة الصبي، وبهذا التقرير ظهر امتناع إيقاع الظهر خلف من يصلي العصر، والقاضي خلف المؤدي، والمفترض خلف المتنفل‏.‏

حجة ش‏:‏ ما في البخاري عن عمرو بن سلمة أنه - عليه السلام - قال لأبيه‏:‏ ليؤمكم أكثركم قرآنا، فلم يكن فيهم أكثر قرآنا مني فقدموني وأنا ابن ست سنين‏.‏ وفيه عن معاذ بن جبل أنه كان يصلي مع النبي - عليه السلام - ثم يرجع فيؤم قومه‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه اجتهاد من قومه فليس بحجة، وعن الثاني أنها واقعة عين فلعله كان يصلي مع النبي - عليه السلام - النفل، ويؤيد ذلك أنه كان من خيار فقهاء الصحابة - رضوان الله عليهم - وكان عليه السلام أمره بالصلاة بأهله وكان يحضر معه عليه السلام لاحتمال طريان فقه في الصلاة فيقتبسه، ويؤيد ذا كونه - عليه السلام - قسم الناس في صلاة الخوف طائفتين فصلى بكل طائفة ركعتين، وهو على خلاف القواعد من جهة انتظاره لاتمام الطائفة الأولى وهو زيادة في الصلاة، ومن جهة استقلال المأموم بنفسه من غير استخلاف، ومن جهة سلام المأموم قبل إمامه فلو صح ما قالوه لصلى - عليه السلام - بكل طائفة الصلاة تامة دفعا لهذه المحذورات، وأما صلاة المتنفل خلف المفترض، ففي الجلاب جوازها، والفرق أن صفة النفل كونه قربه وهو حاصل في الفرض، ولهذا من أحرم قبل الزوال بالظهر ، ثم تبين له وقع نفلا، ولأن إعادة الصلاة في جماعة مشروع لتحصيل فضيلة الجماعة، ولأن الأدنى يتبع الأعلى من غير عكس‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ قدرته على الأركان وفيه فروع ثلاثة، الأول قال في الكتاب‏:‏ إذا صلى القارئ خلف الأمي هو أشد من إمام ترك القراءة عمدا والإعادة في ذلك كله أبدا؛ لأن صلاة الإمام صلاة المأموم على ما تقدم فهو مصل بغير قراءة، وخالفنا ش هاهنا وفي الراكع خلف المومئ والفاسق، بناء على أن كل مصل يصلي لنفسه وقد تقدم بطلانه ويؤيده قوله - عليه السلام - يؤم القوم أقرأهم فجعل القراءة من أوصافه وقوله - عليه السلام - الإمام ضامن وإنما يتحقق الضمان إذا حمل القراءة عن المأموم بقراءته، قال صاحب الطراز‏:‏ وإذا بطلت صلاة المأموم فصلاة الأمي باطلة إذا كان المأموم صالحا للإمامة، ووافق ح، وخالف أشهب، وجه الأول‏:‏ أنه ترك الاقتداء بحامل القراءة عنه وصلى بغير قراءة في حالة تجب عليه، وجه الثاني‏:‏ أن الجمع لا يجب إلا في الجمعة والواجب على كل أحد ما يقدر عليه‏.‏

فرع‏:‏

إن افتتح الأمي، ثم أتى القارئ، قال فعلى قول ابن القاسم إن كان لم يركع قطع، وإن ركع شفعها نافلة فإن كان في ثلاث قطع، فإن أخره القارئ وتقدم، قال‏:‏ يحتمل عدم الإجزاء؛ لبطلان الإحرام، والإجزاء لانتفاء المبطل وهو عدم القراءة، قال‏:‏ وظاهر قول ابن القاسم ألا يأتم الأمي بالأمي لفوات شرط الإمامة، خلافا لسحنون وش وح وهو معروف من قول أهل العلم؛ لأن الأمي إن لم تزد حالة بالإتمام، لا تنقص عن الأفراد، قال‏:‏ ولا يأتم الأمي بالقارئ المسخوط الحال‏.‏

الثاني‏:‏ اللاحن قال ابن القصار والقاضي عبد الوهاب‏:‏ إن غير المعنى نحو ‏(‏إياك نعبد‏)‏ و‏(‏أنعمت عليهم‏)‏ بكسر الكاف وبضم التاء لم تجز إمامته وإلا جازت، وأمر أبو بكر بن محمد بالإعادة من غير تفصيل‏.‏ وفي البيان قال بعض المتأخرين‏:‏ لا تجوز وإن كان لحنه في غير الفاتحة، حملا لما في الكتاب لابن القاسم في الذي لا يحسن القراءة على ظاهره، وقال‏:‏ لم يفرق بين فاتحة ولا غيرها، قال‏:‏ وهو بعيد، وفي الجواهر من كان يلحن في الفاتحة لا تصح الصلاة خلفه، وقال‏:‏ الإمام لا تصح صلاته أيضا، وحكى اللخمي الصحة على الإطلاق‏.‏ وفي البيان هي مكروهة ابتداء وهو الصحيح؛ لأن اللحان لا يقصد اللحن بل يقصد ما يقصده القارئ، وإليه ذهب ابن حبيب، ومنشأ الخلاف هل اللحن يخرج القرآن عن كونه قرآنا أم لا‏؟‏ وفي الحديث‏:‏ من قرأ القرآن وأعربه كان له بكل حرف عشر حسنات، فإن لم يعربه كان له بكل حرف حسنة‏.‏ فأثبت القرآن مع اللحن، ولا تصح إمامة من لا يقدر على إخراج الحروف من مخارجها بسبب الجهل، وتجوز إمامة الألكن للسالم منها، وقال ابن القاسم‏:‏ إذا كان يقيم الفاتحة، ولا تجوز إمامة من لا يفرق بين الضاد والظاء، ومن لا يحسن أداء الصلاة قراءة وفقها، قال أبو الطاهر‏:‏ من كان يعجز عن النطق بالحروف خلقة - وهو الألكن - تصح إمامته لسقوط الفرض عنه بسبب العجز، بخلاف العاجز بسبب الجهل، وقيل في العاجز بسبب الخلقة لا تصح إمامته وفي البيان‏:‏ الألكن الذي لا يبين قراءته، والألثغ الذي لا يتأتى له النطق ببعض الحروف، والأعجمي الذي لا يفرق بين الظاء والضاد والسين والصاد ونحوه، لا خلاف في صحة من ائتم بهم وإن كان الائتمام بهم مكروها إلا أن لا يوجد من يرضى، قال الأصمعي‏:‏ الفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء، والأرث الذي يدغم الحروف بعضها في بعض، ولكنه يجمع ذلك كله، قال ابن بشير‏:‏ لا يفتح على من ليس معه في صلاة وإن طلب منه الفتح فإن فعل فعل، فهل صلاة الفاتح قولان على الخلاف في القرآن يقصد به إفهام الغير، وأما من في الصلاة فإن أخطأ الإمام في غير أم القرآن يفتح عليه إلا أن يغير المعنى، أو بطلب منه الفتح وأخطأ في أم القرآن فإنه يفتح عليه؛ لأن الصلاة لا تجزئ إلا بها فإن ترك الإنسان آية من الفاتحة فهل يسجد لسهوه أم لا سجود عليه‏؟‏ لأن الأقل تبع للأكثر قولان، ويتخرج على مراعاة الاتباع في أنفسها فإن الصلاة تبطل‏.‏ الثالث العاجز عن القيام، قال في الكتاب‏:‏ إذا عجز يستخلف ويرجع إلى الصف مأموما‏.‏ وفي الجلاب في إمامة الجالس بالقائم روايتان وبالجواز، قال ش وح، لنا أن صلاة الإمام هي صلاة المأموم بدليل القراءة، فيكون تاركا للقيام مع القدرة فلا تصح صلاته، وفي الدارقطني عنه عليه السلام‏:‏ لا يؤمن أحد بعدي جالسا‏.‏ وهو ضعيف لا تقوم به حجة، قاله عبد الحق في الأحكام، حجة الجواز ما في الصحاح‏:‏ أن أبا بكر - رضي الله عنه - أم بالناس فجاء - عليه السلام - فجلس عن يساره فكان - عليه السلام - يصلي بالناس جالسا، وأبو بكر قائما يقتدي بصلاته - عليه السلام - ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر رضي الله عنه‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وجلوس المأموم قادرا على القيام ممنوع عند مالك وش ح، خلافا لابن حنبل محتجا بما في الصحاح أنه - عليه السلام - سقط عن فرس فجحش شقه الأيمن، قال أنس‏:‏ فدخلنا نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا، فلما قضى الصلاة قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا‏.‏ الحديث إلى أن قال‏:‏ وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون‏.‏ وهو عندنا منسوخ بقضية أبي بكر المتقدمة ويعضده أن الأركان واجبة فلا تترك الاقتداء المندوب قال‏:‏ وتجوز إمامة الجالس للجالس عند مالك، ومطرف وابن عبد الحكم، وعن ابن القاسم المنع والجواز وهو أحسن لاستواء الحالة، ومنع ابن القاسم إمامة المومئ بالومئ، وأجازها ش، قال‏:‏ وهو ظاهر لما في الترمذي أنه - عليه السلام - صلى بهم في راحلته للمطر والبلة إيماء‏.‏ حجة المنع قوله عليه السلام‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا الحديث‏.‏ فجعل من صفته الركوع والسجود، والمومي ليس كذلك، وأما صلاته خلف الصحيح، فجائزة اتفاقا، وفي الجواهر لا تصح إمامة المنضجع بمنضجع ولا غيره‏.‏

الشرط السادس‏:‏ موافقة مذهب المأموم في الواجبات، قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ لو علمت أن أحدا يترك القراءة في الأخيرتين لم أصل خلفه، وقال أشهب‏:‏ عند ابن سحنون من صلى خلف من لا يرى الوضوء من الذكر لا شيء عليه، بخلاف القبلة يعيد أبدا، وقال سحنون‏:‏ يعيد فيهما في الوقت‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وتحقيق ذلك أنه متى تحقق فعله للشرائط جاز الائتمام به، وإن كان لا يعتقد وجوبها وإلا لم تجز فالشافعي يمسح جميع رأسه سنة فلا يضر اعتقاده، بخلاف ما لو أم في الفريضة بنية النافلة أو يمسح رجليه‏.‏ قال المازري‏:‏ قد حكى الإجماع في الصلاة خلف المخالف في المذهب، وإنما يمتنع فيما علم خطؤه كنقض قضاء القاضي، قال‏:‏ ويدل على ذلك تفرقة أشهب بين القبلة ومس الذكر‏.‏

الشرط السابع‏:‏ اتفاقهما في المقتدى فيه، ودليل هذا الشرط ما تقدم في البلوغ، وفيه فروع خمسة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا ظنه في العصر وهو في الظهر فسدت صلاة المأموم، وهو قول ح وأحد قولي ابن حنبل خلافا ش، قال ابن القاسم في العتبية‏:‏ إذا علم في أثناء الصلاة في ركعة شفعها أو اثنتين سلم أو ثلاث كملها وأعاد‏.‏

الثاني‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لا يجوز أن يؤم به في قضاء من يومين، ومن يوم يجوز، وقال‏:‏ قال عيسى‏:‏ تصح مطلقا؛ لأن الفوائت وقتها واحد وظهر اليوم مساو لظهر أمس، وإنما وقع الخلاف في الأوقات‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من أحرم بالجمعة ظانا يوم الجمعة والإمام في الظهر أجزأت، قال ابن القاسم‏:‏ والعكس يعيد؛ لافتقار الجمعة إلى نية تخصها خلافا ش، وقال أشهب في المجموعة‏:‏ يعيد فيهما، وحكى اللخمي عن مالك لا يعيد فيها‏.‏ والفرق للمذهب من وجوه أحدها‏:‏ أنها تجزئ عن الظهر لمن لا تجب عليه الجمعة، وثانيها‏:‏ أن من أحرم بنية الجمعة في سجود الأخيرة صلى به الظهر، وثالثها‏:‏ أن للجمعة شعارا عظيما لا يعذر الإنسان بسببها إذا ادعى جهلها، بخلاف غيرها‏.‏

الرابع‏:‏ إذا أحرم بما أحرم به إمامه، قال صاحب الطراز‏:‏ قال أشهب‏:‏ تجزيه، وللشافعية قولان، ومعتمد الجواز ما جاء عن علي - رضي الله عنه - في الحج أنه أحرم بما أحرم به عليه السلام، وصححه النبي - عليه السلام - وهو مشكل فإن الحج لا يفتقر إلى تعيين نية، بل إذا أطلق انصرف إلى المفروض إجماعا، ولا يجزي ذلك في الصلاة إجماعا، والحج باب ضرورة‏.‏

الخامس‏:‏ في الجواهر لا يقتدي مسافر بمقيم، فإن اقتدى به وقلنا القصر فرض فلا يجوز، وقيل يجوز، وإن قلنا سنة فروى ابن القاسم المنع، وأبو إسحاق الجواز تسوية بين فضيلة الجماعة وفضيلة القصر، وإن قلنا بالتخيير فالإتمام مع المقيم أولى من القصر منفردا وحكم الصلاة بعد الاقتداء يتنزل على الخلاف المتقدم، فإن قلنا القصر فرض، قال القاضي أبو محمد وبعض المتأخرين‏:‏ تبطل، وقال بعضهم‏:‏ لا تبطل لاحتمال الانتقال كالعيد في الجمعة، وقيل يقتدى به في الركعتين خاصة، واختلف هل يسلم أو ينتظره ويسلم معه‏؟‏ وإن قلنا سنة لم يعد عند ابن القاسم، وروى أشهب ومطرف الإعادة في الوقت إلا أن يكون في الحي أو مساجد الأمصار الكبار هذا إذا علم أنه مقيم، فإن جهل ذلك ثم علم، قال سحنون‏:‏ تجزيه، وأما ائتمام المقيم بالمسافر، قال ابن حبيب‏:‏ هو أخف في الكراهة من الأولى واتفقت الروايات عن مالك أن أحد الفريقين لا يؤم بالآخر إلا في مساجد الجماعات والأمراء‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ فيما يكره في الإمام

وفيه فروع سبعة‏:‏

الأول‏:‏ كره في الكتاب إمامة الأعرابي بالمسافرين والحاضرين، وإن كان أقرأهم وهو قول ش، وعلله ابن حبيب بجهله للسنة، والباجي بتركه للجمعة والجماعات، قال صاحب الطراز‏:‏ والأول أبين؛ فإن الجمعة لا تجب عليه والمنفرد في رؤوس الجبال لا تكره إمامته إذا كان عالما بالسنة‏.‏

فائدة‏:‏

الأعرابي بفتح الهمزة‏:‏ البدوي سواء كان عربيا أو أعجميا‏.‏

الثاني‏:‏ كره في الكتاب إمامة العبد في مساجد العشائر والجماعات والأعياد، بخلاف غيرها، قال صاحب الطراز‏:‏ وأجازها ابن الماجشون وأثبته في غير الجمعة، وش وابن حنبل‏.‏ لنا أن الرق ونقص لمنع الشهادة، فيكره في الإمامة، ولأنه يؤدي للطعن على الجماعة فإنه أفضلهم، ومنع في الكتاب إمامته في الجمعة، قال ابن القاسم‏:‏ فإن فعل أعاد وأعادوا؛ لأن العبد لا جمعة عليه‏.‏ وفي الجلاب عن أشهب تجزئهم؛ لأنها بالإحرام وجبت عليه فساواهم، ويرد عليه أن النوافل كذلك مع بطلان الإمامة فيها، وأن تكبيرة الإحرام ليست بواجبة عليه في الجمعة‏.‏

تفريع‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ إذا قلنا بالإعادة، قال ابن القاسم‏:‏ يعيدون في الوقت جمعة بخطبة وبعده ظهرا، وفي امتداد الوقت إلى الضروري قولان‏.‏ وفي البيان قال ابن القاسم‏:‏ إلى قبل الغروب بركعة مثل ظاهر الكتاب وإن كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب، وروى مطرف ما لم تغرب الشمس مثل رواية في الكتاب بإسقاط بعض، وقال سحنون‏:‏ إلى قبل الغروب بمقدار العصر، وقيل ما لم تصفر، وقال أبو بكر الأبهري‏:‏ إذا أدرك ركعة بسجدتيها قبل وقت العصر أتمها جمعة وإلا ظهرا، وفي إعادة الإمام المسافر ثالثها يعيد في الوقت بناء على الخلاف فيمن جهر متعمدا، وأما البعد فيعيد أبدا، وقيل لا إعادة عليه ولو اجتمع في القرية جماعة عبيد تتقرى بهم القرية فأقاموا الجمعة لم تجزهم على المذهب، وبه قال ش خلافا ح، قال‏:‏ والتسوية بين العيد والجمعة فيه نظر؛ لأن العيد من النوافل، ولو فاته مع الجماعة صلاة وحده وما له أن يفعله وحده فله الإمامة فيه، قال صاحب البيان‏:‏ وأجاز ابن حبيب إمامة العبد في العيد؛ لوجوبها عليه عنده بخلاف الجمعة، وحكاه مطرف وابن الماجشون، وسوى المشهور بينهما؛ لأنهما لا يجبان عليه‏.‏ وفي الجواهر روى علي لا يؤم الأحرار إلا أن يكون تقرأ وهم لا يقرأون، وأجاز ابن القاسم أن يكون إماما راتبا في التراويح‏.‏

تمهيد‏:‏

الواجب على العبد والمرأة والمسافر أحد الصلاتين لا بعينها والخيرة لهم في التعيين، وعلى المسافر أحد الشهرين‏:‏ إما رمضان أو شهر القضاء فهذه الصور كلها كخصال الكفارة ففيها نصف خصال الكفارة بالوجوب بناء على وجوب أحدها ويكون موقعا للواجب إذا فعل أحدها، فكذلك هاهنا وليس هذا من باب إجزاء النفل عن الفرض، ومعنى قوله عليه السلام‏:‏ وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة‏.‏ أي‏:‏ تعيين الصوم وتعيين الإتمام فالعبد متطوع بالتعيين فقط، والحر مفترض فيه فهذا منشأ الخلاف هل يلاحظ أصل الوجوب أو يلاحظ التعيين‏؟‏ وبهذا يظهر أن قول الأصحاب إنه متطوع بتكبيرة الإحرام ليس على ظاهره بل بتعينها فقط؛ لأن الواجب عليه إحدى التكبيرتين إما في الجمعة أو الظهر، وهذا التقرير يجب اعتقاده فإن خلافه يؤدي إلى خلاف الإجماع من إجزاء النفل عن الفرض‏.‏

الثالث‏:‏ كره في الكتاب ولد الزنا إماما راتبا، قال صاحب الطراز‏:‏ والعتيق المجهول الأب؛ لئلا يؤديا لظن في النسب، قال‏:‏ فإن قيل كانت الصحابة - رضوان الله عليهم - يصلون خلف الموالي ومن أسلم من غير استفصال قلنا أولاد الجاهلية تلحق بآبائها من نكاح أو سفاح‏.‏

الرابع‏:‏ كره في الكتاب الخصي لشبهه بالمرأة، وفي الجواهر لا يكره‏.‏

الخامس‏:‏ كره ابن وهب في العتبية إمامة الأقطع والأشل إذا عجزا عن وضع أيديهما في الأرض، قال صاحب الطراز‏:‏ وخالف فيه ابن الماجشون وفي كل عيوب البدن ولم يراع إلا نقص اليدين أو ما يؤثر في ركن كقطع اللسان‏.‏

السادس‏:‏ كره ابن القاسم في المجموعة إمامة المحدود وترتبه وإن صلحت حاله، وقال ابن الجلاب‏:‏ لا بأس بإمامة الأعمى والأقطع والمحدود إذا كان عدلا‏.‏ وتكره إمامة المتيمم للمتوضئ، وصاحب السلس والجراح للأصحاء والأغلف، وفي الواضحة لا تجوز إمامة القاتل عمدا وإن تاب بخلاف المحدود، وفي الجواهر كراهة إمامة المأبون وترتبه، وقيل لا تكره إذا كان صالحا‏.‏

السابع‏:‏ من الجواهر لا يأتم مسافر بمقيم ولا مقيم بمسافر، قال ابن حبيب‏:‏ والثاني أخف كراهة من الأول، واتفقت الروايات عن مالك أن أحد الفريقين لا يؤم بالآخر إلا في مساجد الجماعات والأمراء‏.‏